الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يأتون إلى هذه الدنيا، يرسلهم الله تبارك وتعالى ويبعثهم ليقدموا للبشرية النموذج الذي لا يمكن أن يأتي أحد بمثله في التعامل, وفي حسن الخلق, وفي العدل وفي الرحمة، ومع ذلك يُؤيدون ببراهين لا يمكن لأحد أن يأتي بها على الإطلاق مهما ادعى ذلك.ثم تأتي القضية الثالثة المهمة جداً وهي أن الله تبارك وتعالى ينصرهم على من خالفهم وعلى من ناوأهم، وتظل ذكراهم خالدة مدى الدهور لا يدانيها ولا يقاربها أحد على الإطلاق.فمهما تحدثنا مثلاً: عن ملوك الحضارات القديمة, عن التجار, عن الأدباء, عن الكتاب، أياً كان من هذه الصفات فلا أحد حظي أو يحظى قط بمثل منزلة ودرجة ورتبة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ ولذلك من أكبر الأخطاء التي تقع فيها تلك الأمم أن تنحط من مقام النبوة إلى مجرد أنهم حكماء أو فلاسفة أو ما أشبه ذلك، فهذا من عدم تقديرهم على حقيقتهم. نقول: تبقى ذكراهم خالدة.. تبقى آثارهم خالدة.. تبقى علومهم وما بينوا وما أرسوا للناس أسمى منار يمكن أن يهتدي به البشر.هناك بشر لهم تأثير كبير في تاريخ البشرية، ولهم أثر عظيم في مسارها الخلقي وسموها ورقيها الروحي، ولكن كثيراً من الناس يشتبه عليهم الأمر؛ لأنه بفعل تأثير الانحرافات والتشويه وما حدث من أعدائهم وما حدث من أتباعهم من الضلال اختلطت! أصبحت دعوتهم وما جاءوا به كأنما هو أفكار فلسفية أو آراء بشرية؛ ولذلك نجد على سبيل المثال أن النبوة في الحضارات الشرقية كـ الصين و الهند و اليابان أصبحت أشبه ما تكون بمجرد حكمة! فـ بوذا عند أكثر هؤلاء ليس بنبي يوحى إليه, وإنما هو مجرد حكيم، نحن لا يهمنا شخص بوذا مَن هو؟ لكن الذي يهمنا أنه لا بد أن هناك أنبياء، وأنهم قد بعثهم الله تعالى، فليكن اسمه ما كان؛ فهذا لا يهمنا, فليكن تاريخه ما كان؛ فلا يهمنا كذلك، أما أن يكون التاريخ البشري هو مجرد حكماء يُسمى أحدهم أو بعضهم بوذا فقط؛ فإن هذا بلا شك خطأ مناف للحقائق التاريخية والحقائق الإيمانية عند المؤمنين؛ فهذا نوع من أكبر أنواع التشويه لتاريخ النبوة والأنبياء في هذا الجزء من العالم.في المرحلة المتأخرة أو في العالم الغربي نجد مثلاً: سقراط، يذكرون أنه نبذ الآلهة, وأنه رفضها, وأنه حذر اليونان منها؛ لكن لا يثبتون أنه نبي، -نحن لا يهمنا أيضاً أن يثبت أو لا يثبت؛ لأن ثبوت نبوة أي أحد إنما تثبت بالدليل الصحيح الشرعي, أو بتواتره عند أمة من الأمم, مثلاً: عند أمة الفرس أو غيرها- لكن المقصود أن نقول: أياً كان اسمه فإنه ما تكلم به فلان من الناس -أو من قبله أو من بعده- فهو من آثار النبوة, كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: لا يخلو العالم من آثار النبوة أبداً! ومن أعظم آثار النبوة نبذ الشرك ونبذ عبادة غير الله تبارك وتعالى.